كما ربياني صغيراً
بقلم الأستاذة و التربوية / نوف بنت محمد مغربل
حرر بتاريخ 10 / 9 / 2018
كـلـنا يعلم بأن تربية الأطفال هي من حق الوالدين
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)
فصيغة التربية هنا لم تأت بصيغة الجمع إنما جاءت بصيغة المثنى المنسوبة قصراً على الوالدين.
فحق التربية هو حق مخصوص من حقوق الوالدين فرضه الله عليهم تجاه أبنائهم.
من المشاكل التي يواجهها الوالدين في مجتمعنا هي تدخل الأقارب كالعم أو الخال أو العمة أو الخالة في توجيه أطفال العائلة بأسلوب لا يرضاه الوالدين على أبنائهم.
فيرى بعضهم أن من حقهم توجيه أبناء العائلة بالصراخ ورفع الصوت عليهم على أقل خطأ بحجة تربيتهم وتهذيب سلوكهم! متناسين أن أسلوب تعاملهم مع الطفل يعكس مدى احترامهم لوالديه. فاحترامهم للكبار يحتّم عليهم التعامل برقي واحترام مع صغارهم.
ولذلك أثر عظيم في توارث هذا الإحترام في التعامل من جيل إلى جيل بدلاً من أن يورّث لهم الصراخ ورفع الصوت كوسيلة للتفاهم فيما بينهم!
إن لم يحسن الأقارب تعاملهم مع أطفال العائلة، فلن يكونوا قدوة حسنة لهم ولن يتقبل الأطفال توجيههم وسيتجنبوهم وينفروا منهم.
قال تعالى:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
قدوتنا في توجيه الأطفال هو نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: ( كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، فما زالت تلك طُعمتي بعد).
ففي هذا الحديث قد أرشد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الغلام الى الصواب بالموعظة الحسنة والتوجيه المؤثر المختصر البليغ بكل لطف من غير إحراج ولا تجريح ولا إجبار ولا إهانة كي يتعلم آداب الأكل ويكتسبها ويطبقها مدى حياته. فهو توجيه ثماره دائمة وليست مؤقتة والدليل على ذلك هو إقرار عمر بقوله: ( فما زالت تلك طعمتي بعد) أي أن التوجيه قد نجح وأتى ثماره معه مدى حياته!
توبيخ الطفل أمام أفراد العائلة بسبب خطأ قد يصدر من أي طفل لم يبلغ سن الرشد والتمييز
(حتى و إن كان مراهقاً) هو أسلوب غير تربوي البتة ولا يساعد أبداً في تحسين سلوك الطفل كما يُعتقد. فهذا الأسلوب يكسره و يؤثر في نموه الاجتماعي و التربوي ويقلل من ثقته بنفسه ويؤثر كذلك تأثيراً كبيراً في ترابط أفراد العائلة ببعضهم البعض حيث أن هذا الأسلوب قد يؤدي بالطفل إلى تجنب التواجد في أماكن التجمع العائلي رهبة من تكرار ذات الموقف معه.
كما أنه يتسبب بعدم محبة الطفل لقريبه (سواءً كان عمه أو خاله على سبيل المثال) بسبب أسلوبهم في تعاملهم معه.
من النواحي الأخرى الغائبة عن الأقارب عند توبيخهم ورفع أصواتهم على أطفال العائلة هو قلة إحترام تواجد كبار العائلة (الجد و الجدة). فكما أنه أسلوب غير تربوي مع الأطفال فهو كذلك ليس من البر تجاه كبار العائلة ويقلل من احترام تواجدهم وتوقيرهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا».
فقد ربط رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث توقير الكبير بالرحمة بالصغير بواو العطف ليظهر مدى ترابط هاتين العلاقتين ببعضهما البعض.
فرسالتي للأقارب هي:
كونوا قدوة حسنة لأطفال العائلة وأحسنوا معاملتهم من باب احترامكم لوالديهم..
واعلموا انه ليس من حقكم تربية أطفال غيركم وإنما ينبغي عليكم توجيههم برقي واحترام على هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليزهر هذا التوجيه و يؤتي ثماره.
وإن لم ينفع، فأوصلوا توجيهكم لإحدى والديهم (الأقرب لكم) ليتولى المهمة التي أَوكلها الله له.